Saturday, October 17, 2009

لم اكن أبداً طفلاً مدللاً


نشأت وحيداً بلا إخوة، لم تكن علاقتي بأمي مثل ما كنت أرى و أسمع من بقية الأطفال فى الحضانة أو المدرسة، كانوا يفترضون أني طفل مدلل كونى وحيداً.
فى نهاية كل يوم، يهرعون جميعاً من الفصول جرياً إلى أمهاتهم و يقفزون إلى أحضانهن. أما أنا، فعندما كان يسمح وقتها بإلتقاطى، فقط أُعلق يدي فى ذراعها و نتجه للسيارة صامتان، تتشبث هي بعجلة القيادة و تتيقظ للطريق أمامها، و ألصق أنا وجهي بالنافذة اتأمل الشوارع، و نظل هكذا حتى نصل للبيت.

هي ممن يقال عنهن المرأة الحديدية، وجه صارم ذو ملامح حادة، لا وقت لديها للمشاعر أو الأحاديث الطويلة، عملية إلى أقصى درجة وعلى قدر من العصبية أتعجب من قدرة أبي على التعايش معه.
طوال أعوامي، كانت منكبة دائماً على مكتبها، بدايةً من المذاكرة للماجستير ثم للدكتوراة تباعاً، إلى تجهيز محاضراتها و تصحيح أوراق الامتحانات و كتابة مذكرات الجامعة.
بسبب أشغالها الدائمة، لم نكن تلك الأسرة التى تذهب إلى النادي يوم الجمعة أو تجتمع مع أفراد العائلة فى بيوت الأجداد ليلة الخميس أو حتى تلتف حول التلفاز لمشاهدة مسرحية كوميدية تعرض لأول مرة.

كم من المواقف بيننا لا أستطيع نسيانها، أصعبهم هو عندما كنت فى السادسة من عمري، كنت فى غرفتها، أعبث بحاجياتها وأبهرتنى القطع الملونة فى علبة مكياجها التى نادراً ما تُفتح، حتى انقلبت مني العلبة كاملةً على الأرض، و كانت ليلة سوداء.
ما ان رأت الفتافيت مبعثرة فى كل اتجاه حتى صدر منها صرخة مدوية و انهوت علىّ ضرباً و ركلاً بيديها ورجليها فى جميع أنحاء جسمي: "انت عارف دي بكاااااااام! أعمل فيك إيه! أرميك من الشباك و أخلص منك؟!ّ يا رب خده و ريحنى منه!".
عندما عاد أبي من عمله، وجد كل منا فى غرفته فى نوبة بكاء هستيري. كانت عيناي مثل كرات الدم ووجهى أزرق ممقوت و جسمي يرتعش كطائر قد تم ذبحه للتو. حملني على مستشفى قريب، وُضع ذراعي الأيمن فى جبيرة و كان التبرير حينذاك أني وقعت فى البيت أثناء اللعب.

ظللت فترة ليست بقليلة أخاف منها و أتجنبها، و لا أدرك معنى و سبب شتائمها لى و دعائها علىّ...
سألت أبي: انا عارف ان انا غلطان انى لعبت فى حاجة مش بتاعاتي، بس هى ماما كانت متضايقة أوي كدة ليه؟
أجلسني أبي على حجره و حكى لي ان ولادتي لم تكن بعملية سهلة، فقد احتاجا لإجراء العديد من العمليات حتى تم حملها، و من الشهر الخامس إلى ميعاد الولادة، كان قد أكد لها الطبيب أن جنينها سيكون بنت. كانت الصدمة فى غرفة العمليات بعدما أفاقت من التخدير، لأني انا من وجدت و ليست "نسمة" كما أرادت أن تسمي.
و عندما عادت إلى المنزل، جمّعت ملابس نسمة و طلبت من أبي أن يتخلص منها.
و أصبحت و أمسيت تبكي لليالٍ عديدة، و كانت جدتي من أمي هى من ترعاني فى أسابيعي الأولى.

من طفولتي إلى زواجي، لم تتدخل فى شئوني أو تسألني عن أى شئ متعلق بي أبداً، ما أرتديه، من هم أصدقائي، متى أعود مساءاً إلى البيت، مواعيد تدريبات النادي، مواعيد الدروس، حتى أهم و أصعب إختيارين فى الحياة؛ اختياري للكلية بعد الثانوية العامة و اختيارى لزوجتي. كانت كلماتها دوماً:
- "اعمل اللى انت عايزه بس استئذن باباك الأول"
- طب انتي رأيك ايه يا ماما؟
- انا ماليش رأى، قال يعنى اما أقولك رأيي هتسمع الكلام، ما انت فى الآخر هتنفذ اللى فى دماغك.. يبقى ليه وجع الدماغ من اصله بقة، شوف مع باباك.

أعترف الان أنى لم أحاول جاهداً فى التقرب إليها، حتى هدايا عيد الأم، عندما وجدت عدم اهتمام و تقدير منها لما أشتريه لها، أمتنعت عنها، لا أتذكر آخر مرة اشتريت لها هدية، ربما من عشر أو خمسة عشر سنة.

الآن و في هذه الدقيقة، ترقد أمي فى سريرها، مغطاة بالأبيض و نحن فى انتظار عربة نقل الموتى. أجلس انا فى مدخل البيت؛ لا أذرف دمعاً و لا أدري إن كنت حزين، و لكن أشعر بالندم على أنى لم أُعلمها يوماً أنى كنت دوماً اتمنى ان تحتضنني.

32 comments:

Anonymous said...

i like it sooooooooooooooo much ya eman.MSA gamela awy
AdrY

Demiolla said...

Some women should not have kids...

Ebeid Soliman ElSayed said...

really it makes me in tears

Gemyhood said...

علاقة الاباء بالابناء علاقة عبثية اصلا
نوع من التكافل الاجتماعى البضين المفروض على الطرفين بدون داعى

Anonymous said...

7elwa awy awy awy ya Eman! The little details... how he felt.. the fight! Amazing! You know what I would LOVE to read... a smiliar short story from "her" percpective.

I enjoyed reading it very much.. though it is sad :(

أحــدهم said...

معلش , بس ..

هـوا الكلام ده بجد ؟؟

أصل أنـا عندى مشكلة شبه دى تقريبــا

Eman M said...

@أحــدهم
Heya deh qesa, bas qad tatashabeh a7dathha m3 7ayat nas.
I got offline replies men nas keter en their lives are like this story fe3lan

http://www.eg-girl.com said...

مشكووور اخووى موضوع جديد وتدوينه رائعه
بالتوفيق
http://www.eg-girl.com

حقيقه said...

رغم أى شىء وكل شىء الله يرحمها ويسامحها

koora said...

merciiiiiiiiiiiiii

tas flowrance said...

فى اطفال مدلاله واطفال لاء انا مثلا كنت بضليق اوقات كتير عشان كنت بحس ان اخواتى مدلالين عنى

تاس فلورنس said...

علاقة الاباء بالابناء علاقة عبثية اصلا
نوع من التكافل الاجتماعى البضين المفروض على الطرفين بدون داعى

moonshine said...

مشكلة فعلا
ولكن لا اعلم كيف يحدث هذا
كيف تكون ام حملت ابنها وسهرت على تربيته وتتجرد من المشاعر والاحاسيس بهذه الطريقة

almanarh said...

الكلمات رائعة ومؤثرة
ارجو الاستمرار
بالتوفيق
www.almanarheg.com

Unknown said...

You brought tears to my eyes and for so long it didn't happen, nice short story and very true, you are really talented

انترنتاوي said...

ربي إرحمهما كما ربياني صغيرا

Mohamed Gabriel said...

محتوى متميز

نادر احمد said...

مساء الخير
هذا مروري الأول ولن يكون الأخير
ولكن ما أوسع الفارق بين هذا الطفل وبيني يوم كنت أبكي أمي رحمها الله
أسلوبك جميل
كل الود

أخبار مصر اليوم said...

أخبار مصر اليوم
اهم الاخبار المصرية والعربية أولا باول بين يديك كل الاخبار المصرية من أخبار سياسية رياضية أخبار اجتماعية أخبار فنية أخبار التعليم ونتائج الامتحانات نتيجة الثانوية العامة نتيجة الشهادة الابتدائية والاعدادية الى جانب العديد من الاخبار المنوعة الاخبار العربية والعالمية أخبار مصر اليوم الخبر فى لحظة بين يديك .
فاتورة التليفون ـ اذاعات عربية

mohamed mohiy said...

مدونتك رائعه جدا جدا واعطيها مذيد من الاهتمام
وادعوك لزيارة مدونتى


تعليم التعامل مع جوجول ادسنيس من الف الى الياء

http://wwwfriendpluscom.blogspot.com

وابداء رايك فيها

وان اردت يمكننا تبادل الروابط معا لتبادل المنفعه

شكرا

مدونة على مزاجك said...

موضوع يستحق الثناء
شكرا لك

Anonymous said...

مجهود رائع منك

عروستى said...

مجهود رائع منك

عروستى said...

مدونة جميله و لذيذه بارك الله فيك و مزيد من التقدم

عروستى said...

مدونة جميله و لذيذه بارك الله فيك و مزيد من التقدم

Unknown said...

i likeit
www.isismylove.blogspot.com

عروستى said...

بوست رائع ومدونه تحفه

مصر اليوم said...

مدونة جميلة فعلا مذيد من التقدم

أبو عبدالرحمن الهلالي said...

مقال جميل

اسم الشهره _nanny said...

اعجبتني المدونه

temanursurg said...

امثال هذه الام هو غير الطبيعى لان من تحمل كائنا فى رحمها 9 اشهر لا يمكن ان تتصف بهذه القساوة !! حتى لو كان المولود غير ما تمنت !!!
الاقرب ان هذه كان لديها حالة نفسية مرضية و تم اهمال علاجها !!!

اسم الشهره _nanny said...

صراحه ام غريبه جدآآآآآآ
لا احب اسلوبها في المعامله هي قاسيه
رحمها الله

 

eXTReMe Tracker