Wednesday, October 29, 2008

فيات 127


توقفت اليوم سيارتى للمرة الألف، أصبحت تخذلنى كل الأوقات، اتصلت بالميكانيكى و جاءنى بعد ساعة، فتحها و انزلق تحتها ثم نظر لى نظرة استرجاء: لازم تكلم حد يجى يقطرها لحد الورشة.
أقف عند الميكانيكى و انظر بشفقة إليه؛ إن لم يكن طيب الأصل، ما كان مد أى يد عون لى.
- يا أستاذ حرام عليك، والله ما بقى ينفع خلاص، بجد هى كدة جابت آخرها
- و العمل؟
- حضرتك لسة بتسأل؟ ما انا كل مرة اقولك بيعها، لكن دلوقت انا محتاج أقولك انها بقت لازم تتكهن!

لا أستطيع استيعاب ما يقوله، لا أستطيع ان أفرط فيها مهما ساءت حالتها.
منذ وعيت على الدنيا، و انا أرى لهفة أمى و هى تجرى على النافذة عندما تسمع نفير تلك السيارة؛ سيارة أبى. كان يُصدر صوت نفير بطريقة مميزة إشارةً لها بوصوله.
فتنظر من فتحة الشباك و ترقبه و هو يركن، ثم بعد خروجه من السيارة، يرفع رأسه و يبتسم لها ابتسامة خاصة.

و منذ خطواتى الأولى، عودتنى أمى ان أميز صوت السيارة و أنطلق لرؤيتها و رؤية أبى مهللاً كجميع الأطفال "بابا جه بابا جه"؛ فقط مكرراً ما أحفظتنى أمى إياه.
لم يحدث ابداً انها لم تسمعه، إلا مرات قليلة جداً عندما لم تستطع ترك ما بيدها و كان عليها تبرير عذرها مع دخول أبى الشقة و طبع قبلة على جبينه للمصالحة.
لن يصدقنى أحد أن أمى و أبى استمرا فى فعل ذلك حتى آخر لحظات حياتهم؛ كنت شاباً طولاً و عرضاً فى الجامعة و أرى أمى تتجه نحو النافذة بإشارة من أبى، و كنت انا قد توقفت عن فعل ذلك منذ بدأت مراهقتى و تمردى و محاولاتى إثبات أنى لم أعد طفلاً.

سألتها يوماً:
- انتى إزاى ما زهقتيش؟
- احنا اتفقنا من عشرين سنة ان دى من الحاجات الرومانسية اللى لازم نحافظ عليها و ما نخليش الجواز يقتلها
- يعنى انتى بتعملى كدة وفاءاً للوعد بس مش أكتر؟
- لأ طبعاً، بعمل كدة عشان انا حبة كدة، لأنى كل ما باسمع الصوت و أقرّب من الشباك، بأحس انى لسة عروسة جديدة و انى قضيت يومى كله مستنية أبوك يرجع من شغله فى الحتة المقطوعة اللى احنا فيها ديه، آه .. اللى كانت زمان مقطوعة.

لم يوقفهما ابداً الشجار أو الخصام عن تلك العادة، كان الفرق أن الابتسامة يحل محلها نظرة حنين عنيدة.
و عندما مرض أبى و كنت أقود له السيارة، كنت أفعل كما اعتاد أن يفعل تماماً، و ظلت أمى ترقبنا حتى توفى أبى و لحقته أمى بوقت بسيط.
ظلت تلازمنى حركة لا إرادية بعدها لفترة؛ أنى ألتفت فجأة عندما أسمع صوت سيارة شبيه، حتى إن كنت انا من يقود.

أحببت أن تنتقل تلك العادة الجميلة لأسرتى و ان نرتبط بنفس السيارة و بنفس العلامة المميزة من نفيرها.
بعد زواجى بشهرين، اقترحت الفكرة على زوجتى، و فوجئت بإجابتها
- إيه شغل العيال دة .. هو احنا لسة مراهقين ؟

و بهذه الإجابة التى أفحمتنى، لم اخبرها عن قصة أمى و أبى، و لكن بقيت الفكرة فى عقلى حتى وَعىَ طفلى، علّمته و عوّدته، و لم تبد هى اعتراض حينذاك.

- طيب لاصمهالى دلوقتى و انا هافكر فى الموضوع دة، بس ما عندكش زبون عنده نفس الموديل و اللون و عايز يبيع عربيته؟

 

eXTReMe Tracker