Wednesday, August 22, 2007

من وحى مسجد المدينة


أصل إلى المسجد النبوي فى المدينة المنورة، ورغم ما أراه من اختلاف الأجناس والأشكال من حولي، يغمرني إحساس غير مُبَرر بالدفء و الصفاء و سكينة لا تستطيع وصفها.

تحمل بعض أبواب المسجد النبوى إسم خليفة من الخلفاء الراشدين، فمِن أبواب السيدات؛ باب عمر و باب أبو بكر و باب على.

تقف على تلك الأبواب المخصصة للسيدات، الفتيات المشرفات على المسجد النبوى، يلبسن نفس الزى؛ الإسدال الطويل الأسود و النقاب على الوجه (حتى داخل حرم السيدات فى المسجد)، و توجد شارة على الكتف الأيمن من الإسدال مكتوب عليها:
الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام و المسجد النبوى
و كالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوى
إدارة التوجيه و الإرشاد النسائي

هؤلاء الفتيات يتكلمن جميع اللغات لتتمكنن من التعامل مع معظم الجنسيات، و هن مسئولات عن:
- تنظيم دخول السيدات اللاتي يصطحبن أطفال، ممنوع تواجدهن فى غير الساحات المخصصة لهن
- تنظيم الصفوف و إرشاد السيدات وقت الإقامة إلي الأماكن التى تستوعبهن
-التفتيش على أبواب المسجد، ممنوع منعاً باتاً دخول الكاميرا، المحمول بكاميرا و المشتروات.

حواري معهن مع الدخول لكل صلاة، بعد تفتيش الشنطة:
هى: معاكي جوال؟
انا: مفيهوش كاميرا
هى:أشوفه
تلقى نظرة خاطفة، ثم تسمح لى بالدخول، أحياناً كانوا يثقن فى كلامى و لا يطلبن رؤيته.

بعد صلاة الفجر و فى الساعة الخامسة و النصف صباحاً، تظهر تلك الفتيات فى المسجد، و تحمل بعضهن لوحة خشبية بإسم البلاد كما سيلي. تبدأن فى تقسيم جميع السيدات إلى مجموعات على حسب البلد، التقسيمات كالتالي بترتيب الجلوس من اليمين إلى اليسار:

1- مصر: ثاني أكبر عدد حضور فى الحرم، على غير المتوقع، التزمت المصريات مع اختلاف منابعهم بالنظام و الهدوء و الرزانة إلى حد كبير. أعترف أنى لم أتوقع هذه السلوكيات تماماً، و لكن ما رأيته جعلني متفائلة. عندما كانت المصرية تبحث ما بين اللوحات المرفوعة على اسم مصر و تجده، تفرح و تُشير لمن معها بيدها صائحة "المصريين أهمّة"

2- دول الخليج: عددهن قليل جداً.

3- بلاد الشام: بنات ناس بما تحمله الكلمة من كل المعاني، أخلاق و أدب، ابتسامات دائمة و وجوه مشرقة، هدوء و نظام، يتوددن إليك للتعارف و يدخلن القلب بسلاسة شديدة.

4- باكستان: متضمنة الهند، ردائهن يميزهن دائماً ، بجانب شئ آخر .. كلهن رائحتهن كريهة للغاية، أصعب صلاة هى التى تؤدَى بجانب إحداهن.
بعض الهنديات كن يكلمن بعضهن أثناء الصلاة فجأة ثم يُكملن الصلاة و كأن شيئاً لم يكن.

5- اندونيسيا: متضمنة ماليزيا، أكثر السيدات هدوءأ، لم أسمع صوتهن مرة واحدة، يلبسن جميعاً طرح بيضاء بأستك يُلَف من الخلف، مكتوب "ماليزيا" على الطرحة من الخلف. تجدهن فى أول الصفوف دائماً و لا تسمع صوتهن بتاتاً، أعتبرهن الجنسية الوحيدة التي لم أسمع لغتها. تستطيع أن تستشعر حبهن و حنانهن تجاه بعضهن. ما بين أوقات الصلوات، البعض يُرحن رأسهن على أرجل أخريات و يٌرَبَتن على رأسهن بحنان، يساعدن بعضهن فى دعك الرقبة و الكتفين و أعمال المساج المختلفة. أعجبونى كثيراً.

6- تركيا: معتدلات، أشبه بسيدات مصر فى السلوكيات.

7- فارس: الإيرانيات هن الأكثر عدداً و الأكثر اهمالاً و الأكثر عنفاً و الأكثر ازعاجاً، ينقسمن لنوعين:
السيدات ذوات الأعمار المتوسطة 40-50، معظمهن ممتلئ الأجسام و أصواتهن مرتفعة دائماً، و كبار السن يشبهن الساحرة الشريرة فى أفلام الرسوم المتحركة، أنوف مدببة، أجسام رفيعة و لكن يمتازون بقوة جسدية غريبة، يخترقن صفوف الصلاة بأكتافهن و يزاحمن الرجال.كنت ضحيتهن فى الروضة، اعتصرونى بينهن.

تبقى فتاتان مع كل مجموعة، الفتاة التى تحمل اسم البلد و فتاة تقوم بإعطاء درس صغير لمدة 45 قيقة، وهذا يكون الوقت الوحيد الذى تخلع فيه الفتاة نقابها.
يمر الدرس على تاريخ الروضة و زيارة القبور و ما الصحيح و ما المنهى عنه، و يشددن فى النهى عن التبرك بالمكان و الأفعال المبالغ فيها مثل التمسح بعواميد المسجد و الأرض. توقعت أن أجد كلام وهابي أو سلفى بما أنى فى السعودية، و لكني الحقيقة أنى و جدت كلام عقلانى جداً.

بعد الدرس ، تقف السيدات جميعاً متأهبات حتى تنفتح الأبواب في السادسة و النصف، نجلس في مجموعات بلادنا فى الساحة الكبيرة أمام الروضة، و بترتيب البلاد، تدخل السيدات على دفعات إلى الروضة لصلاة الركعتين و الدعاء. يوجد مكان منفصل للسيدات على الكراسى المتحركة تُشرف عليه فتيات منفصلات، منعاً للتزاحم.
يوجد مخارج بعيدة عن المداخل للنظام، و يستمر الحال هكذا حتى تُقفل الأبواب للسيدات فى التاسعة و النصف صباحاً.

يوجد ماء زمزم في كل مكان فى المسجد، كولمن كبير فى كل زاوية، على يمينه حامل لأكواب بلاستيك نظيفة، و على يساره حامل للأكواب المستعملة، يوجد ماء مُبَرد و ماء غير مُبَرد. تقوم عاملات النظافة بمسح أي نقطة ماء تقع على الأرض كل 10 دقائق تقريباً، مع رمى المستعمل من الأكواب و تزويد ما نَقُص منها.


كما توجد المصاحف (صغيرة الحجم أو كبيرة) في كل ركن، تقوم عاملات النظافة بتجميع ما تركه الناس من مصاحف كل خمس دقائق مع تجميع حاملات المصاحف الخشبية أيضاً.

من كل جنسيات العالم التى تسير بجانبهم طوال يومك، ستجد كثير من "الوجوه" التي تشبه أحد من أصدقائك أو أهلك أو جيرانك تماماً، ازداد إيمانى بالمثل القائل "يخلق من الشبه أربعين".

تصوير Eman M

 

eXTReMe Tracker