Monday, July 28, 2008

نملومانيا


"يتميز النمل بالحياة في جماعة والتعاون في العمل بنظام شديد. يدّخر النمل الطعام في الصيف ويخزنه حتى يستطيع مواجهة برد الشتاء الذي يمنع أفراده عن الخروج من أعشاشهم. النمل أكثر المخلوقات نظاماُ و هو في حالة عمل دائم ومستمر، نجاحه قد تعدى نجاح البشر..." هذا ما تعلمناه جميعاً فى المدرسة.

فى تلك المرحلة من الطفولة، كنت اتربع على الأرض و بحذر شديد أراقب خط النمل لساعات طويلة و اتعجب و استنكر بشدة لماذا يتخذ حوائط منزلنا مقراً لبيوته.
و بشقاوة الأطفال، أسكب قطيرات من الماء على مجموعة النمل، ليعجبنى الفزع الشديد الذى يحل به.

حكاياتى مع النمل ممتدة مع تاريخ حياتى؛ ابتدائاً من علبة شيكولاتة بالبندق اهدتها لى جدتى و انا فى سن الخمس سنوات، وضعتها فى دولابى و فتحتها بعد أسبوع لأجد الشيكولاتة مليئة بالحفر، أكل النمل البندق و ترك لى الشيكولاتة خاوية.

استيقظت يوماً على صراخ أمى، جاءت لتوقظنى فوجدت بقع حمراء و لدغات عريضة لا حصر لها على وجهى و رقبتى. اعتدت أن أخبئ أقراص النعناع اللذيذة تحت وسادتى، تلك الليلة أخذت واحدةً و وقعت فى النوم قبلما أعيده تحت الوسادة، فتسلى النمل عليه وعلىّ حتى الصباح. ظل جلدى ملتهباً لساعات و أمى تبرده لى بالماء و مكعبات الثلج.
و فى ليلة أخرى، قرص النمل أخى فى عينه، فتورمت و ظلت منتفخة تحكه بشدة لفترة كبيرة من الوقت.

لن أنسى صرخة قريبَتنا بعدما قدمت لها أمى صينية الشاى، لأنها وجدت النمل يتنزه فى السكّرية، التى نحتفظ بها فى نيش السفرة. و كان موقفاً محرجاً إلا أن أمى تفادته بالشكوى و استرسال حيرتها فى عدم وجود حل لتعدى ذلك المخلوق على كل ممتلكاتها.

و مع توالى الأيام، كنت أرى نظرات الأسى و الغيظ فى عيون أمى فى كثير من المواقف بعدما يُنتَهك طبق من الطعام الذى تعبت فى تحضيره، أو بعدما تُفاجأ بنقصان في أكياس السكر المحفوظة فى دولاب المطبخ. و كنت دائماً و انا أغلى من الداخل أواسيها و أساعدها فى تنظيف الأرفف و تغيير ورق الجرائد و غسيل الأطباق و الأكواب و تجفيفها و رصها من جديد.

و لذلك و بعد سلسلة أحداث مأساوية فى نظرى، أعلنت الحرب علي ذلك المخلوق المغتصب السارق، و بدأت فى تجهيز الوسائل و الأسلحة الرادعة التى تؤدبه و تبيده من بيتِنا.

كنت أضع صفار البيض أو حبات من العنب البناتى فى ركن و أمُر كل ربع ساعة لأرى الأعداد تتزايد وأصبر و أنتظر لتتزايد أكثر و أكثر و أستلقى على الأرض أو أقف على كرسى لأراقبهم و لأحدد مكان جحرهم، ثم أمسك المبيد الحشرى و أرش بعنف شديد من نقطة البداية إلى نقطة النهاية. اعتبرت المبيد كأنه سيف حاد فى يدى أقطع به رقاب كل تلك الكائنات الصغيرة. و بعدما أنتهى، يبقى خط من النقط السوداء، اتأمل جثثهم المتناثرة و كأنهم أفراد جيش حلت بهم هزيمة مباغتة و تعترينى نشوة الانتصار.

نهرتنى أمى عدة مرات من كثرة استعمالى للمبيد الحشرى و حذرتنى انى سأُصاب بالسرطان.
لم تفلح المناديل الورقية المتوفرة فى البيت لأنها مجرد أن ابتلت بالماء ذابت، فأشتريت كمية كبيرة جداً من أكياس القطن، و قسمتها لقطع متوسطة و كبيرة الحجم لتكون جاهزة للإستعمال الفورى. جهزت أيضاً وعاءاً فيه خليط من الماء و الصابون.
و فى وقت المعركة، أغمز قطعة القطن فى الوعاء و أهوى بيدى على نقطة البداية و أمسح الخط مسحاً شاملاً، ثم أرمى القطنة فى وعاء آخر فيه ماء فقط لأرى الجثث الصغيرة تطفو على وجه الماء ثم ارميها فى الحوض و استمتع برؤيتها تُسحَب فى البالوعة و تختفى لحال سبيلها.

استشرت العطارين و جربت جميع وسائل التخلص من النمل؛ بدايةً من مسحوق النمل، و مروراً برش الخل فى الأركان و رسم خطوط النمل بالطباشير و حقن ثقوب الحوائط و الأرض بالجاز وتأجير شركات إبادة الحشرات و أخيراً و ليس آخراً إختراع العجينة التى تباع فى الصيدليات. و لكن هيهات، ما استطاع أى من تلك الأنواع وقف النمل عن الانتشار.

فى وقت الطفولة، كانت النملة مخلوق ضعيف بحق؛ نزول قطرة واحدة من الماء عليها معناه موتها فى أقل من الثانية، إنما الآن تجدها تحاول الهرب و هى منغمسة كاملة فى الماء ثم تخرج منه و كأن شيئاً لم يكن، فلم يعد الماء ولا أى وسيلة قتل من ما سبق مناسبة له، النمل أصبح سوبر باور.
إنه حتى يصل للمكسرات المحفوظة فى درج الثلاجة، حتى برودة الثلاجة لم تعد تعوقه!
كما أنه أصبح يتجمع على أنواع من الأكل لا تتوقع أن تجذبه مثل الجبنة الرومى و أكياس الخميرة وما يتبقى في فناجين القهوة!

اليوم أخذت أجازة من العمل، و انا صافية البال أعددت فى الصباح لفائف من الجلاش المحشو بالزعتر والأنشوجة واللحم المفروم و رصصتهم فى صينية فى ثلاثة أجزاء و حفظتها فى الفرن لأسويها قبل ميعاد رجوع أهلى للبيت بساعة. من كل مواقفنا السابقة، كان من المعروف أن الفرن مكان مُحصّن لا يقربه النمل، و لكنى فتحت الفرن لأجد الثلاثة أجزاء عبارة عن سواد حالك، أعداد غفيرة و تجمع لم أرى له مثيل؛ جيوش بمعنى الكلمة.

قذفت الصينية بكاملها فى الحوض و فتحت المياة على آخرها و صرخت صرخة واحدة و جلست على الأرض و انهرت فى بكاء متواصل.

12 comments:

Moustafa` said...

النمل والناموس
انا مؤمن بإننا ممكن نعمل هدنه مع بعض
---
انتي علشان بتحاربيهم وبتلذذ نفسي عجيب
هما كمان صنفوكي عدو .. عدو خطر كمان
ليهم استراتيجيه خاصه
--
انا لما بشوف نمله ببعدها عن منطقه الخطر واكمل
ويا ويل من تسول له نفسه انه يضرب ناموسه وانا قاعد جنبه
بهشها علشان تنفد بجلدها وأبدأ أسلخ أخينا ده محاضرات ف الرحمه
-------
تخيلي معايا كده النمله دي ليها حبيب وبنت صغنطوطه مستنيه الاكل اللذيذ اللى بتشقى علشان تجيبه
أيوه ماهو هما كئنات برده زينا
اعتبريهم شحاتين واحدفي ليهم حته من الطعام
بدل ما يغتصبوها منك
----
حاسس إنك بتعملي حرب وانتي اكيد الخسرانه
مع ان في اتفاقيات سلام كتير
------
خارج النص : أسلوبك خرااااافه
تحياتي ومودتي

Demiolla said...

أحلى حاجة في القصة إن كلنا لينا ذكرياتنا مع النمل وحنا أطفال، كانت وسيلة تسلية ظريفة خصوصا إن كان لسه مخترعوش الأتاري. بس إن يكون فيه نمل في الفرن و هو والع، ديه واسعة شوية. ماجد

Eman M said...

@S@G
دى قصة قصيرة، مش بالضرورة تكون حقيقية :)

Demiolla@
لأ يبقى انت ما قريتش كويس :P
الفرن ما كانش والع، اقرا تانى

Dina El Hawary (dido's) said...

:)
:)
ya 3einy ya Eman!!! it is a real war with ants ...

Unknown said...

Eman , PLEASE contact on this email

zorielz@gmail.com

أرجوك التواصل بهذا الإيميل للضروره
أنا لاأعرفك ولكني أرجوا أن تلبي طلبي

Lasto-adri *Blue* said...

عليكى وعلى الفنيك والديتول وإنتى بتمسحى الأرض
:D
مفعولهم سحر

Anonymous said...

كل مرة بتتألقي أكتر من اللي قبلها

متهيألي ممكن تتقري بأكتر من مستوي
يعني الموضوع مش مجرد نمل
كل الحاجات الصغيرة المؤذية اللي بتنتشر وتتوغل علي راي اسمه ايه بتاع الاعلان وما بنقدرش نقاومها
ونلاقي نفسنا في النهاية مفيش في ايدنا غير اننا نقع ونبكي
تحياتي ليكي
جدا:)

mohra said...

يا عينى يا بنتى

لكن انا ايضا طالما شغلنى النمل و كيف يكون مختفيا و كيف يعلم بوجود فتفوته اكل فيجتمع
تلك الحركه التى تبدو شديده الاضطراب و لكنها فى غايه النظام
سبحان الله
دائما ما تتراوح مشاعرى تجاهه بين الضيق و الاعجاب
تحياتى

Eman M said...

@Lasto-adri *Blue*
maho it will be the same as Gaz :P

@alexandmellia
عاجبنى انك فهمنتى موضوع الكذا مستوى دة :)

@mohra
اكيد سبحان الله
بس يا حرام بطلة القصة غلبانة معاه

momken said...

النمل مخلوق جبار
كفى انه مع حجمه له سوره باسمه فى القران هى عشر اضعاف سوره الانسان

الموضوع حلو اوى
تحياتى

Anonymous said...

كلام جميل ورجعتى الى بالى كلمة مضحكةافتكرها عندما كنت ذاهب الى المدرسة اول مرة كان النمل فى بيتنا بسيط وعندما ذهبت الى المدرسة رشت والدتى المبيد الحشرى وفى المدرسة شاهدت النمل ايضا وعندما عدت الى البيت لم ارى البيت لم اشاهد النمل وقولت لامى اتعرفى اين النمل الان قالت لى اين قولت ليها راح المدرسة وما جية الى الان والان انا اعيش بحجرة كلها نمل واشياء اخرى كثيرة لا داعى لذكراها فانا الان اعيش مع عائلة من الحشرات
وافتكرت نكتة عن النمل

نمول كان بيحب نميلة وعايز يتجوزها وقالت لية نميلة انا ما راح ينفع اتجوزك الا وانت معاك الابتدائية ودخل المدرسة واخد الابتدائية وهكذا حتى الجامعة وقالت لية لازم تاخد الشهادة من جامعة السربون وسافر عم الحبيب وهو راجع داس علية واحد وهو نازل من الطيارة ومات
نكتة بايخة انا عارف بس انا بضحك عليها كتير
تقبل ى مرورى
منصور
مدون مبتداء

nan said...

kani b ashof film amriki bas elnhaih mo5.tlfa

 

eXTReMe Tracker