Saturday, May 30, 2009

زى كل يوم


أستيقظ فى العاشرة صباحاً مثل كل جمعة. أجدها جهزت الإفطار المعتاد لليوم، البيض المسلوق، الجبنة البيضاء، الزيتون الأسود و العيش الشامي. إفطار أيام وسط الأسبوع يختلف، فول ومربى فقط، يتغير نوع المربى من الفراولة للجزر للتين أو المشمش، على حسب المزاج.

أخذ حمام الجمعة، نفس المنشفة الرمادية المخططة الباهتة كأنها غسلت مليون مرة مع أني أشتريتها من شهرين فقط.

أفتح دولابي، نفس بنطلون الجينز المتآكل، نفس الخمس جوارب، نفس الثلاث بنطلونات، نفس القمصان اليومية، أريد أن أشتري قميص جديد، و لكنها حرّمتني أن أفعل ذلك. تستخدم الكلور فى الغسيل، فأصبحت جميع ألوان ملابسي باهتة.

أعود إلى المنزل بعد صلاة الجمعة، لأجد البيت غارق فى نفس رائحة البخور الأسبوعية. البخور التى أشتريها من نفس العطار أول شارعنا. كل مرة يلقي على مسامعي أحاديثه المملة عن تفرده فى استيراد تلك البخور من الهند و عن مكوناتها الطبيعية و مميزاتها و عن العائلات التى ترسل له سائقها الخصوصي كل فترة ليجلب تلك النوع المميز بروائحه المختلفة. أخذ نوعي الدائم و ارحل.

أدخل إلى غرفتي لأمدد جسدي لساعة قبل الغذاء. نفس الملائة التى تتبدل كل أسبوع مع واحدة أخرى، نفس البطانية الواحدة التي تشبه ما يوزعوه فى الجيش، امم كم أتمنى أن اتدفأ ببطانية كتلك التى كانت فى اعلانات ساراتوجا.
أدفس وجهي فى الوسادة، لا تسمع أذناى من السكون غير نفس دقات الساعة، صوت الثلاجة، تنقيط المياة فى الحمام، نداء بائع الجرائد، صراخ الأطفال و هم يلعبون الكرة.

أستيقظ من نومي على سعال شديد، مش ممكن، تستخدم المبيدات الحشرية كأنها معطرات للجو.

على المائدة، نفس الأكل؛ فراخ محمرة، أرز و صينية كوسة فى الفرن. انها دائماً إما كوسة أو فاصوليا خضراء أو بطاطس، كم أشتاق إلى الملوخية أو ..
- انتى ما بتعملنلاش بامية ليه؟
- بامية؟ و انت من امتى بتحب البامية؟
- اهه بقة .. نفسي فيها
- ماشي يا سيدي، الجمعة الجاية اعملهالك
- و ليه الجمعة؟ ليه مش بكرة؟
- مالك يا راجل؟ مش عاجبك حاجة ليه انهاردة!
- آل يعني هية فارقة معاكى!
- يا فتاح يا عليم، خلينا نكمل أكل على خير الله يخليك.

بعد الأكل نرتمي أمام التلفزيون و البنت تلعب حولنا، جدائل شعرها ملفوفة بنفس الشرائط الحمراء فى نفس شكل الضفيرة اليومية. أنادي عليها و أُجلسها أمامي، أحل ضفائرها و أمرر أصابعي لأفك التشابكات و التداخلات، أحاول الابتكار و كلما انتهي من فكرة، أنظر لوجه البنت فلا تروقنى فأحل شعرها من جديد، و هكذا حتى سويته لها فى الآخر على شكل ذيل الحصان التقليدي.
تجلس زوجتى بجانبى لا تصدق ما تراه مني، البنت عمرها ثلاث سنوات، لم أهتم يوماً بشكل شعرها و لا لبسها.

أقبض على ريموت التلفزيون بقوة و أُخرج كبتي فى الضغط على أزراره و أتنقل بين القنوات، تمثيل ممل و أغاني تافهة و برامج مكررة و نساء تلف العقل.. أوفف .. انا نازل القهوة.

أنادي على الصبى
- عندكو إيه يتشرب انهاردة
- إيه يا أستاذنا، بتسأل و كأنك اول مرة تشرفنا
- معلش يا سيدي، سمعنا تاني، عايز أختار حاجة جديدة
- عناب، قرفة سادة، قرفة بالحليب، جنزبيل بالحليب، سحلب، شاي بالنعناع، كركديه، ينسون، حلبة حصى .. هة مين قال كمان.. ايه يا عمنا في إيه؟
- ما عندكش موز باللبن؟
- أفندم؟ لا والله، لو عايزه ضروري يعنى، فيه كافتيريا فى أول الشارع، بس خلي بالك دول حراقين أوي
- حراقين إزاي يعني؟
- بيدّفعوك عشرين جنيه، شربت موز شربت مية، هتدفع .. يا باشا خليك منورنا و انا هاروقك آخر تمام
- لأ خلاص شكراً

نفس نشرة أخبار التاسعة، نفس المذيعين، نفس الأخبار؛ قتل، انفجار، قنبلة، اعتصام، مظاهرة، و ما حولي هي نفس الأصوات اليومية من أحجار النرد و الدومينو، غلظة سعال المدخنين، كركرة الشيشة و صيحة فائز فى دور كوتشينة.

أرحل من القهوة و أسير لفترة طويلة حتى أصل لكورنيش النيل، أجلس على دكة و أسرح فى الألوان المختلفة على سطح النيل حتى أقع فى النوم.

 

eXTReMe Tracker