قبلما تُجلسنى الفتاة على جهاز مُنشِّف الشعر، أوصيها أن تغطى ظهر أذناى بقطن كثير، و تحبُك المنشفة على رقبتى. أدخلَت رأسى و تأكدت انها لا تتعرض لأى هواء خارجى ثم ضبطت الجهاز على ساعة.
- ساعة ليه، دة كتير أوى
- معلش يا آنسة، انتى مش عايزة شعرك يطلع كويس؟ لازم ينشف كويس.
علىّ أن أبقى حبيسة ساعة كاملة تحت هذا الجهاز اللعين، أكره العلماء الذين لم يخترعوا بعد آلة لتنشيف الشعر فى وقت أسرع من ذلك.
لم أحضر كتاب لأقرأ فيه، لا يتبقى لى إلا أن أشاهد من حولى حتى يسرقنى الوقت.
تجلس أمامى سيدة عجوز تكاد العروق تنفجر من وجهها وذراعيها، انتهت للتو من كي شعرها، تلفه برباط مطاطى أصفر (أستك الفلوس!)، و تضع عليه إيشارب مربع. حقيبتها، عقدها وقرطها من الزمن القديم جدا. تقوم من كرسيها بصعوبة و تنظر لنفسها فى المرآة ببهجة و تدفع الحساب و تنصرف.
فتاة تطلب قص شعرها الطويل إلى قصير جداً، أردت أن أهب صائحةً فيها "اعقلى يا مجنونة، فى غيرك بيفضلوا خمس سنين علشان يوصلوا لطول شعرك دة، حرام عليكى .. آه يا قهرة قلبى"، أنظر إلى الشعر و هو يتساقط من رأس الفتاة بالتصوير البطئ و أتخيل موسيقى هادئة تُعزَف في الخلفية، وأتأمل خصلات الشعر المتناثرة على الأرض و كأنها لوحة سريالية، من الممكن أن تُضاف لها بعض الخطوط الملونة وتصبح قطعة إبداعية.
بعض الفتيات العاملات في المكان شعرهن مصفف و بعضهن لا. هل تسمح لهن صاحبة العمل باستخدام المحل دون مقابل؟ و إن كان بمقابل، هل تحاسبهن بنفس سعر الزبائن أم لهن تخفيض؟ و هل تُدّون ذلك فى حسابات المحل؟
ألاحظ أن بعض السيدات يدسسن عشرة جنيهات بقشيشاً فى جيب الفتيات و ليس الخمس جنيهات المتعارف عليها.
من كثرة النداء عليهن، أحفظ أسمائهن: هدى، مها، شيماء، نجوى وهالة.
تُعجبنى نجوى، تعامل الزبائن بحميمية شديدة وتُشعرهن بأهميتهن، تُمطر كل سيدة بكلمات إعجاب وكأنها أجمل نساء الارض.
هدى عصبية جداً، أراها مستفزة أيضاً، لو كنت مديرتها لطردتها من المكان.
هالة المسؤلة عن غسيل الشعر، لا أشعر أنها تتعامل مع رأس إنسانة، أراها عنيفة نوعاً ما. بعض السيدات يجلبن الشامبو والبلسم الخاص بهن. الكمية التى تستعملها هالة منهن اكثر بكثير من الكمية التى تستعملها من شامبو و بلسم المحل.
شيماء الأكثر شعبية، عندما تدخل أى سيدة، تسألها مَن على الباب "تحبي حد معين معاكي؟" معظم الاجابات تكون شيماء، ليست بالوجه المبتسم لكنها سريعة و تعرف جيداً ما تفعله.
مها مهمتها طلاء الأظافر، تنقع اليد أو القدم فى وعاء بلاستيكى لخمسة دقائق ثم تفرد كريم خاص وتدعك من الخارج للداخل فى صورة دوائر ثم تبدأ عملية الطلاء. أركز معها بشدة فى الطلاء الفرنسى، لا أفلح أبداً فى وضعه لنفسى، ربما أتعلم منها.
مع اعتياد المجئ، ترتاح كل سيدة مع فتاة معينة، بعضهن يتصادقن و يتكلمن في أسرار البيت و الجيران و يمتد الكلام لكثير من النميمة و أحيانا الغيبة.
أنظر إلى أصابعهن جميعاً لأبحث عن خاتم الزواج، لأحدد من منهن مخطوبة أو متزوجة أو آنسة. لا هدف لما يدور فى عقلى إلا قتل الوقت.
أنظر إلى الساعة، مرت نصف ساعة فقط، لا أستطيع احتمال الحرارة، أشعر بالصداع
- عندكو أسبرين؟
- لأ
أصمت و أقول فى سرى "آه و تجيبوا أسبرين ليه، ما انتو مش فارقة معاكو، هوة انتو اللى قاعدين متذنبين كدة و لا الغلابة اللى زيى"، يقطع حبل أفكارى و إستنكارى حوار بجانبى
- هو بكرة كام … محرم؟
- و الله مش عارفة يا مدام، هو انا فاكرة انهاردة ايه من أيام الأسبوع أصلا…
- عندك حق، بس الواحد عايز ماينساش عاشوراء
- آاااااه، همك على طبق العاشوراء، حضرتك اللي بتعمليها ولا بتجبيها جاهزة؟
- مش بسأل علشان كدة خالص، انا بسأل عشان الصيام
- صيام؟!! ليه؟!؟ و هو عاشوراء بيتصام ليه بقة إن شاء الله؟؟!!
- سُنة عن الرسول عليه الصلاة و السلام، علشان دة اليوم اللي موسى انشق له البحر و اتعمل طريق
- "فاغرة فمها": هة؟ العلم نور برضك، ما دام سُنة يبقى نصومه طبعاً.
تدخل بنت تسأل عن أسعار و تفاصيل عرض ليلة الزفاف، ما المدة الكافية للحجز قبل الفرح، هل العرض متضمن لف الطرحة أم تصفيف الشعر و المكياج فقط.
أحب ألوان مناشفهم؛ مخططة لبنى و أزرق، مرصوصة فى الدولاب بنظام شديد على حسب أحجامهم.
يرن الجرس للتنبيه بانتهاء الوقت، و يتوقف الجهاز عن العمل أخيراً، أخلع رأسي منه و أتنفس الصعداء.