قابلتها صدفة، لم تتغير كثيراً، فقط بطنها منتفخة أمامها، عانقتنى بشدة و قبلتنى بحماس لم أتوقعهما، لقد مرت عشر سنوات منذ تركنا المدرسة و لم نتقابل منذ ذلك الحين. لم نكن أصدقاء قريبين و لكن كانت هى أكثر الشخصيات تودداً لكل البنات. "صاحبة كل الناس" كما كان يطلق عليها.
تبادلنا الحديث عما فعلته بنا الحياة فى السنوات الماضية و ما آل إليه حالنا، سألتنى إن كنت على صلة بأى من البنات، فأجبتها بالنفى. أخرجت هاتفها من حقيبتها و هى تسرد لى أسمائهن مؤكدة أنها تحتفظ بأرقامهن جميعاً و حفِظت رقمى. قررَت أن تلك فرصة مناسبة لتنظيم لقاء كبير و انها ستبلغنى الأسبوع القادم بالميعاد و المكان.
و قد كان، ذهبت فى رداء أنيق متخوفةً من تلك المقابلة، وجوه لم أرها منذ زمن، لا أتذكر الكثيرات منهن، سيسألننى لماذا لم أتزوج بعد و سندخل فى الحديث السخيف عن الرجل المناسب و الوقت المناسب و النصيب و هذا الكلام الممل.
أصل إليهن، يصدمنى العدد الهائل، أتمتم فى سرى "أمّا صحيح صاحبة كل الناس". بعد التحيات و السلامات، تحكى كل واحدة عما وصلت إليه.
أنصت كثيراً؛ من تُحب غير سعيدة، من لا تُحب غير سعيدة، المتزوجة غير سعيدة، غير المتزوجة غير سعيدة، من يلتف حولها أطفالها غير سعيدة، من لم تُرزق بأطفال بعد غير سعيدة، من تعمل بشركة كبيرة غير سعيدة، من تعمل بشركة صغيرة غير سعيدة، من لا تعمل غير سعيدة. أتسائل، كلهن يتكلمن عن "السعادة" من أفقهن الضيق الخاص، و لكن هل يعلمن ما هي السعادة الحقيقية؟
مع كثرة عددنا، انفصلت كل اثنتان فى حديث جانبى، و التقطت أذناى بعض الجمل المتناثرة ..
- علشان كل راجل عايز يتجوز امرأة جميلة، و كل راجل متجوز بيلعن حظه أن مراته مش بالجمال الكافى اللى كان نفسه فيه و يفضل يعايرها بالكلام أو حتى بالصمت أنها مش زى فلانة أو علانة. اللى نفسى أفهمه ليه ما بيسألش نفسُه الأول إن كان يستحق أصلاً الجمال اللى بيتمناه دة و إن كانت فلانة أو علانة هيرضوا بيه من الأساس.
..
- لأ انا دايماً بأحلم أنى فى موقف محتاج إنقاذ، و أنى بحاول أصرخ و صوتى كانه أختفى، مش عايز يطلع، و لا حتى مبحوح.
..
- انا بقى عشان بشتغل فى الحكومة، لما بأنجز الأوراق بطريقة سلسة لحد، بيفتكرونى بعمل كدة علشان أخد المعلوم. كذا مرة حد يدينى ظرف و يستغرب أوي لما أرفض.
..
- بس انا فعلاً كل ما أتكلم مع أى شاب بقالي فترة مش قليلة، بأحس انى أعقل منه.
و ما تقولوليش "احتمال لسة ما قابلتيش الشاب المناسب"، لأن انا بسمع نفس حوار العقل دة من بنات كتير اوي أعرفهم و ما أعرفهمش.
..
- طب و دكاترة إيه اللى انتى بتتكلمي عليهم؟ الطب أصبح معناه تجارة الأعضاء و سرقات الكلى وعمليات الليزر والتجميل و بس.
..
- حلو اوي موضوع دراسة علم النفس دة، طيب انا عندي سؤال محيرني بقاله كتير؛ لما الإنسان بيفقد الذاكرة، بيفقد مشاعره برضه؟
..
- انتى واخدة بالك انتى بتقولي إيه؟ انتى معترضة أوى ان السواق طلب منك تلاتة جنيه زيادة، و من شوية بتشتكى من ان الأكل ما كانش حلو فى المطعم اللى دفعتى فيه متين جنيه و ما كانش يستاهل. انا عندي ملاحظة هنا، انا واخدة بالي ان كلنا، مش انتي بس بنبخل ندفع فلوس أكثر لو كان أجر إنسان، بس ما عندناش مانع ندفع نفس الفلوس فى أي حاجة مادية حتى لو ما كانتش ليها قيمة أوي؟
..
- زمالك؟ حرام عليكي، هوة لسة فيه حد بيشجع الزمالك؟ بس عارفة؟ بعيداً عن أهلى ولا زمالك، انا بحسد لعيبة الكرة دول على حاجة واحدة؛ الوقت بدل الضائع اللى بياخدوه، ليه مفيش فى حياتنا وقت زى دة؟ اشمعنى همة؟
..
- قلتلها انا عايزة فلوسي ترجعلي، ازاى متخيلين انى هأقف أخد أيروبكس مع مدربة وزنها تقيل و بطنها باينة بالشكل دة.
..
- انتى متعرفيش يعني ايه انك تستني الاتوبيس فى الحر و الشمس لمدة ساعة و نص، و لما ييجي، متعرفيش تطلعى من كترة الزحمة، بجد احساس مُهين جداً.
..
- يا ريت ألاقى البطيخ يتباع مكعبات جاهزة، بدل تقشيره، و يا ريت لو كان من غير بذر كمان، انا أول واحدة هاشتريه لو نزل السوق كدة.
..
- ديمقراطية إيه اللى بتتكلمي عنها؟ دة انتي فى بلد الواحد يسمعك بمنتهى الاهتمام، و يديكي فرصة تقولى كل اللى عندك، و بعديها يقوم منفذ اللى فى دماغه برضه.
أصاب بدوار و صداع شديد من كثرة الثرثرة و الصوت العالي و تداخل المواضيع، أنسحب بهدوء و بدون استئذان.
Thursday, April 30, 2009
صاحبة كل الناس
Subscribe to:
Posts (Atom)